فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (13- 17):

قوله تعالى: {وَإذْ قَالَتْ طَائفَةٌ منْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْربَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجعُوا وَيَسْتَأْذنُ فَريقٌ منْهُمُ النَّبيَّ يَقُولُونَ إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هيَ بعَوْرَةٍ إنْ يُريدُونَ إلَّا فرَارًا (13) وَلَوْ دُخلَتْ عَلَيْهمْ منْ أَقْطَارهَا ثُمَّ سُئلُوا الْفتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بهَا إلَّا يَسيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ منْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّه مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفرَارُ إنْ فَرَرْتُمْ منَ الْمَوْت أَو الْقَتْل وَإذًا لَا تُمَتَّعُونَ إلَّا قَليلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذي يَعْصمُكُمْ منَ اللَّه إنْ أَرَادَ بكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجدُونَ لَهُمْ منْ دُون اللَّه وَليًّا وَلَا نَصيرًا (17)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر ما هو الأصل في نفاقهم وهو التكذيب، أتبعه ما تفرع عليه، ولما كان تخذيلهم بالترجيع مرة، عبر عنه بالماضي فقال: {وإذ قالت} أنث الفعل إشارة إلى رخاوتهم وتأنثهم في الأقوال والأفعال {طائفة منهم} أي قوم كثير من موتى القلوب ومرضاها يطوف بعضهم ببعض: {يا أهل يثرب} عدلوا عن الاسم- الذي وسمها به النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وطيبة مع حسنه- إلى الاسم الذي كانت تدعى به قديمًا مع احتمال قبحه باشتقاقه من الثرب الذي هو اللوم والتعنيف إظهارًا للعدول عن الإسلام قال في الجمع بين العباب والمحكم: ثرب عليه ثربًا وأثرب، بمعنى ثرب تثريبًا- إذا لامه وعيّره بذنبه وذكره به.
وأكدوا بنفي الجنس لكثرة مخالفتهم في ذلك فقالوا: {لا مقام لكم} أي قيامًا أو موضع قيام تقومون به- على قراءة الجماعة بالفتح، وعلى قراءة حفص بالضم المعنى: لا إقامة أو موضع إقامة في مكان القتال ومقارعة الأبطال {فارجعوا} إلى منازلكم هرابًا، وكونوا مع نسائكم أذنابًا، أو إلى دينكم الأول على وجه المصارحة لتكون لكم عند هذه الجنود يد.
ولما ذكر هؤلاء الذين هتكوا الستر، وبينوا ما هم فيه من سفول الأمر، أتبعهم آخرين تستروا بعض التستر تمسكًا بأذيال النفاق، خوفًا من أهوال الشقاق، فقال: {ويستأذن} أي يجدد كل وقت طلب الإذن لأجل الرجوع إلى البيوت والكون مع النساء {فريق منهم} أي طائفة شأنها الفرقة {النبي} وقد رأوا ما حواه من علو المقدار بما له من حسن الخلق، والخلق، وما لديه من جلاله الشمائل وكريم الخصائل، ولم يخشوا من إنبائنا له بالأخبار، وإظهارنا له الخبء، من مكنون الضمائر وخفي الأسرار، حال كونهم {يقولون} أي في كل قليل، مؤكدين لعلمهم بكذبهم وتكذيب المؤمنين لهم قولهم: {إن بيوتنا} أتوا بجمع الكثرة إشارة إلى كثرة أصحابهم المنافقين {عورة} أي بها خلل كثير يمكن من أراد من الأحزاب أن يدخلها منه، فإذا ذهبنا إليها حفظناها منهم وكفينا من يأتي إلينا من مفسديهم حماية للدين، وذبًا عن الأهلين.
ولما قالوا ذلك مؤكدين له، رده الله تعالى موكدًا لرده مبينًا لما أرادوا فقال: {وما} أي والحال أنها ما {هي} في ذلك الوقت الذي قالوا هذا فيه، وأكد النفي فقال: {بعورة} ولا يريدون بذهابهم حمايتها {إن} أي ما {يريدون} باستئذانهم {إلا فرارًا} ولما كانت عنايتهم مشتدة بملازمة دورهم.
فأظهروا اشتداد العناية بحمايتها زورًا بين الله ذلك ودل عليه بالإسناد إلى الدور تنبيهًا على أنها ربة الحماية والعمدة فقال: {ولو دخلت} أي بيوتهم من أيّ داخل كان من هؤلاء الأحزاب أو غيرهم، وأنث الفعل نصًا على المراد وإشارة إلى أن ما ينسب إليهم جدير بالضعف، وعبر بأداة الاستعلاء فقال: {عليهم} إشارة إلى أنه دخول غلبة {من أقطارها} أي جوانبها كلها بحيث لا يكون لهم مكان للهرب.
ولما كان قصد الفرار مع الإحاطة بالدار، من جميع الأقطار، دون الاستقتال للدفع عن الأهل والمال، بعيدًا عن أفعال الرجال؛ عبر بأداة التراخي فقال: {ثم سئلوا} أي من أيّ سائل كان {الفتنة} أي الخروج منها فارّين، وكأنه سماه بها لأنه لما كان أشد الفتنة من حيث أنه لا يخرج الإنسان من بيته إلا الموت أو ما يقاربه كان كأنه لا فتنة سواه {لأتوها} أي الفتنة بالخروج فرارًا، إجابة لسؤال من سألهم مع غلبة الظن بالدخول على صفة الإحاطة أن لا نجاة، فهم أبدًا يعولون على الفرار من غير قتال حماية لذمار أو دفعًا لعار، أو ذبًا عن أهل أو جار، وهذا المعنى ينتظم قراءة أهل الحجاز بالقصر وغيرهم بالمد، فإن من أجاب إلى الفرار فقد أعطى ما كأنه كان في يده منه غلبة وجبنًا وقد جأءه وفعله.
ولما كان هذا عند العرب- مع ما لهم من النجدة والخوف من السبة- لا يكاد يصدق، أشار إلى ذلك بتأكيده في زيادة تصويره فقال: {وما تلبثوا بها} أي البيوت {إلا يسيرًا} فصح بهذا أنهم لا يقصدون إلا الفرار، لا حفظ البيوت من المضار، ويدلك على هذا المعنى إتباعه بقوله مؤكدًا لأجل ما لهم من الإنكار والحلف بالكذب: {ولقد كانوا} أي هؤلاء الذين أسرعوا الإجابة إلى الفرار مع الدخول عليهم على تلك الصفة من سبي حريمهم واجتياح بيضتهم {عاهدوا الله} أي الذي لا أجلّ منه.
ولما كان العهد ربما طال زمنه فنسي، فكان ذلك عذرًا لصاحبه، بين قرب زمنه بعد بيان عظمة المعاهد اللازم منه ذكره، فقال مثبتًا الجار: {من قبل} أي قبل هذه الحالة وهذه الغزوة حين أعجبتهم المواعيد الصادقة بالفتوحات التي سموها الآن عندما جد الجد مما هي مشروطة به من الجهاد غرورًا {لا يولّون} أي يقربون عدوهم {الأدبار} أي أدبارهم أبدًا لشيء من الأشياء، ولا يكون لهم عمل إذا حمى الياس، وتخالط الناس، واحمرت الحدق وتداعس الرجال، وتعانق الحماة الأبطال إلى الظفر أو الموت.
ولما كان الإنسان قد يتهاون بالعهد لإعراض المعاهد عنه قال: {وكان عهد الله} أي الوفاء بعهد من هو محيط بصفات الكمال.
ولما كان العهد فضلة في الكلام لكونه مفعولًا، واشتدت العناية به هنا، بين ذلك بتقديمه أولًا ثم يجعله العمدة، وإسناد الفعل إليه ثانيًا فقال: {مسؤولًا} أي في أن يوفي به ذلك الذي وقع منه.
ولما أتم سبحانه ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم كما دل عليه التعبير بالنبي، استأنف أمره بجوابهم جوابًا لمن كأنه قال: ماذا يقال لهم؟ وإجراءً للنصحية على لسانه لما هو مجبول عليه من الشفقة، {قل} أي لهم، وأكد لظنهم نفع الفرار: {لن ينفعكم} أي في تأخير آجالكم في وقت من الأوقات {الفرار} أي الذي ما كان استئذانكم إلا بسببه {إن فررتم من الموت} أي بغير عدو {أو القتل} لأن الأجل إن كان قد حضر، لم يتأخر بالفرار وإلا لم يقصره الثبات كما كان علي رضي الله عنه يقول: إذا دهم الأمر، وتوقد الجمر، واشتد من الحرب الحر، أيّ يومي من الموت أفر؟ يوم لا يقدر أو يوم قدر، وذلك أن أجل الله الذي أجله محيط بالإنسان لا يقدر أن يتعداه أصلًا {وإذا} أي وإذ فررتم.
ولما كانوا لا يقصدون بالعيش إلا التمتع، بين ذلك بالبناء للمجهول فقال: {لا تمتعون} أي تمتعًا مبالغًا فيه كما تريدون بما بقي من أعماركم إن كان بقي منها شيء {إلا قليلًا} بل يتمكن العدو منكم بأدباركم، ومن أموالكم وأحسابكم ودياركم، فيفسد مهما قدر عليه من ذلك فلا تقدرون على تداركه إلا بعد زمان طويل وتعب كبير، بخلاف ما إذا ثبتم وفاء بالعهد وحفظًا للثناء فلاقيتم الأقرن، وقارعتم الفرسان، اعتمادًا على ربكم وطاعة لنبيكم، فإن كان الأجل قد أتى لم ينقصكم ذلك شيئًا، ومتم أعزة كرامًا، وإلا فزتم بالنصر، وحزتم الأجر، وعشتم بأتم نعمة إلى تمام العمر، فالثبات أبقى للمهج، وأحفظ للعيش البهج.
ولما كانوا لما عندهم من التقيد بالوهم، والدوران مع الحس دأب البهم، جديرين بأن يقولوا: بلى ينفعنا لأنا طالما رأينا من هرب فسلم، ومن ثبت فاصطلم، أمره بالجواب عن هذا بقوله: {قل} أي لهم منكرًا عليهم: {من ذا الذي يعصمكم} أي يمنعكم {من الله} المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا قبل الفرار وفي حال الفرار وبعده {إن أراد بكم سوءًا} فأناخ بكم نقمه فيرد ذلك السوء عنكم {أو} يهينكم ويقبح جانبكم ويمتهنه بأن يصيبكم بسوء إن {أراد بكم رحمة} فأفادكم نعمه، والرحمة النفع سماه بها لأنه أثرها، قيسوا هذا المعنى على مقاييس عقولكم معتبرين له بما وجدتم من الشقين في جميع أعماركم، هل احترزتم عن سوء إرادة فنفعكم الاحتراز، أو اجتهد غيره في منعكم رحمة منه فتم له أمره أو أوقع الله بكم شيئًا من ذلك فقدر أحد مع بذل الجهد على كشفه بدون إذنه؟ ويمكن أن تكون الآية من الاحتباك: ذكر السوء أولًا دليلًا على حذف ضده ثانيًا، وذكر الرحمة ثانيًا دليلًا على حذف ضدها أولًا.
ولما كانوا أجمد الناس، أشار سبحانه بكونهم لم يبادروهم بأنفسهم الجواب بما يدل على المناب إلى جمودهم بالعطف على ما علم أن تقديره جوابًا من كل ذي بصيرة: لا يعصمهم أحد من دونه من شيء من ذلك، ولا يصيبهم بشيء منه، فقال: {ولا يجدون} أي في وقت من الأوقات {لهم} ونبه على أنه لا شيء إلا وهو في مثبتًا الجار: {من دون الله} وعبر بالاسم العلم إشارة إلى إحاطته بكل وصف جميل، فمن أين يكون لغيره الإلمام بشيء منها إلا بإذنه {وليًا} يواليهم فينفعهم بنوع نفع {ولا نصيرًا} ينصرهم من أمره فيرد ما أراده من السوء عنهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وقوله: {وَإذْ قَالَت طَّائفَةٌ مّنْهُمْ يا أهل يَثْربَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ} أي لا وجه لإقامتكم مع محمد كما يقال لا إقامة على الذل والهوان أي لا وجه لها ويثرب اسم للبقعة التي هي المدينة فارجعوا أي عن محمد، واتفقوا مع الأحزاب تخرجوا من الأحزان ثم السامعون عزموا على الرجوع واستأذنوه وتعللوا بأن بيوتنا عورة أي فيها خلل لا يأمن صاحبها السارق على متاعه والعدو على أتباعه ثم بين الله كذبهم بقوله: {وَمَا هي بعَوْرَةٍ} وبين قصدهم وما تكن صدورهم وهو الفرار وزوال القرار بسبب الخوف.
{وَلَوْ دُخلَتْ عَلَيْهمْ منْ أَقْطَارهَا ثُمَّ سُئلُوا الْفتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بهَا إلَّا يَسيرًا (14)}.
إشارة إلى أن ذلك الفرار والرجوع ليس لحفظ البيوت لأن من يفعل فعلًا لغرض، فإذا فاته الغرض لا يفعله، كمن يبذل المال لكي لا يؤخذ منه بيته فإذا أخذ منه البيت لا يبذله فقال الله تعالى هم قالوا بأن رجوعنا عنك لحفظ بيوتنا ولو دخلها الأحزاب وأخذوها منهم لرجعوا أيضًا، وليس رجوعهم عنك إلا بسبب كفرهم وحبهم الفتنة، وقوله: {وَلَوْ دُخلَتْ عَلَيْهمْ} احتمل أن يكون المراد المدينة واحتمل أن يكون البيوت، وقوله: {وَمَا تَلَبَّثُوا بهَا} يحتمل أن يكون المراد الفتنة {إلاَّ يَسيرًا} فإنها تزول وتكون العاقبة للمتقين، ويحتمل أن يكون المراد المدينة أو البيوت أي ما تلبثوا بالمدينة إلا يسيرًا فإن المؤمنين يخرجونهم.
{وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ منْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّه مَسْئُولًا (15)}.
بيانًا لفساد سريرتهم وقبح سيرتهم لنقضهم العهود فإنهم قبل ذلك تخلفوا وأظهروا عذرًا وندمًا، وذكروا أن القتال لا يزال لهم قدمًا ثم هددهم بقوله: {وَكَانَ عَهْدُ الله مَسْئُولًا} وقوله: {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار إن فَرَرْتُمْ مّنَ الموت أَو القتل} إشارة إلى أن الأمور مقدرة لا يمكن الفرار مما وقع عليه القرار، وما قدره الله كائن فمن أمر بشيء إذا خالفه يبقى في ورطة العقاب آجلًا ولا ينتفع بالمخالفة عاجلًا، ثم قال تعالى: {وَإذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إلاَّ قَليلًا} كأنه يقول ولو فررتم منه في يومكم مع أنه غير ممكن لما دمتم بل لا تمتعون إلا قليلًا فالعاقل لا يرغب في شيء قليل مع أنه يفوت عليه شيئًا كثيرًا، فلا فرار لكم ولو كان لما متعتم بعد الفرار إلا قليلًا.
{قُلْ مَنْ ذَا الَّذي يَعْصمُكُمْ منَ اللَّه إنْ أَرَادَ بكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجدُونَ لَهُمْ منْ دُون اللَّه وَليًّا وَلَا نَصيرًا (17)}.
بيانًا لما تقدم من قوله: {لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار} وقوله: {وَلاَ يَجدُونَ لَهُمْ مّن دُون الله} تقرير لقوله: {مَن ذَا الذي يَعْصمُكُمْ} أي ليس لكم ولي يشفع لمحبته إياكم ولا نصير ينصركم ويدفع عنكم السوء إذا أتاكم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَإذْ قَالت طَّآئفَةٌ مّنهُمْ} يعني من المنافقين قيل إنهم من بني سليم، وقيل إنه من قول أوس بن فيظي ومن وافقه على رأيه، ذكر ذلك يزيد بن رومان، وحكى السدي أنه عبد الله بن أُبي وأصحابه.
{يَأَهْلَ يَثْربَ لاَ مَقُامَ لَكُم فَارْجعُوا} قرأ حفص عن عاصم بضم الميم، والباقون بالفتح. وفي الفرق بينهما وجهان:
أحدهما: وهو قول الفراء أن المقام بالفتح الثبات على الأمر، وبالضم الثبات في المكان.
الثاني: وهو قول ابن المبارك انه بالفتح المنزل وبالضم الإقامة.
وفي تأويل ذلك ثلاثة أوجه:
أحدها: أي لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب، قاله الحسن.
الثاني: لا مقام لكم على القتال فارجعوا إلى طلب الأمان، قاله الكلبي.
الثالث: لا مقام في مكانكم فارجعوا إلى مساكنكم، قال النقاش.
والمراد بيثرب المدينة وفيه قولان:
أحدهما: أن يثرب هي المدينة، حكاه ابن عيسى.
الثاني: أن المدينة في ناحية من يثرب، قاله أبو عبيدة وقد روى يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قَالَ المَدينَةُ يَثْربُ فَلْيَسْتَغْفر اللَّهَ، هَي طَابَةُ» ثلاثة مرات.
{وَيَسْتَئْذنُ فَريقٌ مّنْهُمُ النَّبيَّ} قال السدي: الذي استأذنه منهم رجلان من الأنصار من بني حارثة، أحدهما أبو عرابة بن أوس، والآخر أوس بن فيظي. قال الضحاك: ورجع ثمانون رجلًا بغير إذن.
{يَقُولُونَ إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: قاصية من المدينة نخاف على عورة النساء والصبيان من السبي، قاله قتادة.
الثاني: خالية ليس فيها إلا العورة من النساء، قاله الكلبي والفراء، مأخوذ من قولهم قد اعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب قال الشاعر:
له الشدة الأولى إذا القرن أعورا

الثالث: مكشوفة الحيطان نخاف عليها السراق والطلب، قاله السدي والعرب تقول قد أعور منزلك إذا ذهب ستره وسقط جداره وكل ما كره انكشافه فهو عندهم عورة، وقرأ ابن عباس: إن بيوتنا عَورة، بكسر الواو، أي ممكنة العورة.
ثم قال: {وَمَا هيَ بعَوْرَةٍ} تكذيبًا لهم فيما ذكروه.
{إن يُريدُونَ إلاَّ فرَارًا} يحتمل وجهين:
أحدهما: فرارًا من القتل.
الثاني: من الدّين. وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في قبيلتين من الأنصار من بني حارثة وبني سلمة، همّوا أن يتركوا مراكزهم يوم الخندق وفيهم أنزل الله: {إذْ هَمَّتْ طَائفَتَان منكُمْ أن تَفْشَلاَ} [آل عمران: 122] الآية. فلما نزلت هذه الآية قالوا: والله ما سرّنا ما كنا هممنا به إن كان الله ولينا.
قوله تعالى: {وَلَوْ دُخلَتْ عَلَيْهم مّنْ أَقْطَارهَا} أي لو دخل على المنافقين من أقطار المدينة ونواحيها.
{ثُمَّ سُئلُوا الْفتْنَةَ لأَتَوهَا} فيه وجهان:
أحدهما: ما تلبثوا عن الإجابة إلى الفتنة إلا يسيرًا، قاله ابن عيسى.
الثاني: ما تلبثوا بالمدينة إلا يسيرًا حتى يعدموا، قاله السدي.
قوله: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ من قَبْلُ} الآية، فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم عاهدوه قبل الخندق وبعد بدر، قاله قتادة.
الثاني: قبل نظرهم إلى الأحزاب، حكاه النقاش.
الثالث: قبل قولهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا.
وحكي عن ابن عباس أنهم بنو حارثة.
{وَكَانَ عَهْدُ اللَّه مَسْئُولًا} يحتمل وجهين:
أحدهما مسئولًا عنه للجزاء عليه.
الثاني: للوفاء به.
قوله تعالى: {قُل مَن الَّذي يَعْصمُكُمْ مّن اللَّه إنْ أَرَادَ بكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بكُمْ رَحْمَةً}.
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: إن أراد بكم هزيمة أو أراد بكم نصرًا، حكاه النقاش.
الثاني: إن أراد بكم عذابًا، أو أراد بكم خيرًا، قاله قتادة.
الثالث: إن أراد بكم قتلًا أو أراد بكم توبة، قاله السدي. اهـ.